شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا زيادة كبيرة في معدلات الإصابة بسرطان الثدي لدى الإناث على مدار العقود الثلاثة الماضية. يظل هذا النوع أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين النساء في المنطقة؛ إذ يمثل ما يقرب من 38% من جميع حالات الإصابة الجديدة بمرض السرطان: بلغ عدد حالات الإصابة الجديدة بسرطان الثدي في منطقة الشرق الأوسط أكثر من 86 ألف حالة في عام 2020، في حين تجاوز عدد الوفيات نتيجة لهذا المرض 33 ألف حالة وفاة[1].إنه مرض لا يعرف أي حدود ولا يستثني أي شخص. يُعدّ سرطان الثدي اليوم أكثر أنواع السرطان شيوعاً من حيث تشخيص الإصابة به على مستوى العالم[2] . يُصاب مليونا شخص[3] وأحبّاؤهم بهذا المرض في مختلف أنحاء العالم كل عام.
قد تبدو هذه الأعداد هائلة، إلا أنها لا تكفي لوصف حجم المشكلة – لا سيما عندما نضع في الحُسبان الدور المهم الذي تقوم به المرأة في المجتمع في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، إذ تعمل المرأة على تربية وتنشئة الأطفال كما تُنمّي أيضاً الموارد المالية لأسرتها. تُلقي أي أزمة صحية تؤثر على المرأة بآثارها السلبية على مجتمعاتهن أيضاً، وذلك يتعدّى المشاعر السلبية للغاية التي تُرافق التشخيص.
تُعدّ كل حالة إصابة بسرطان الثدي فردية تماماً مثل الشخص الذي تم تشخيصه؛ إذ لدى هذا المرض العديد من مراحل التطوّر والأنواع الفرعية، ولا توجد طريقة واحدة صحيحة لمواجهة التحديات التي تصاحب مرحلة علاج هذا المرض. ثمة نقطة مهمة يجب أن توضع في الحسبان، وهي أن 50% من الأشخاص المتعايشين مع مرض سرطان الثدي في مختلف أنحاء العالم تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر[4]. علاوةً على ذلك، عادة لا يتلقى المرضى الذين تزيد أعمارهم على 75 عاماً العلاج الصحيح[5].
من الحقائق غير المعروفة أن الرجال أيضاً عُرضة للإصابة بسرطان الثدي – وبالنسبة لهم، يبلغ احتمال خطر الإصابة أو الوفاة نتيجة لهذا المرض شخصاً واحداً من كل 833 شخصاً[6]. قد لا يبدو هذا الأمر مُنذراً بالخطر، ولكن هذا هو سبب خطورته الحقيقية – وفقاً لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، ونظراً لندرة إصابة الذكور بسرطان الثدي، لم تُسفر التجارب السريرية المحدودة التي شملت الرجال سوى عن خيارات علاجية معتمدة قليلة[7].
هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به لتعزيز الوصول إلى علاج سرطان الثدي.
يظل سرطان الثدي المنتشر -أكثر مراحل المرض تطوراً وخلال هذه المرحلة ينتشر السرطان خارج الثدي وينتقل إلى أجزاء أخرى من الجسم (مثل الأعضاء والعظام)- مرضاً غير قابل للشفاء[8]،[9]. إضافة إلى ذلك، يُعد سرطان الثدي الإيجابي لمستقبِل الهرمون HR+/ السلبي للبروتين المستقبِل لعامل نمو البشرة البشري HER2- النوع الفرعي الأكثر شيوعاً وتفشّياً من سرطان الثدي؛ إذ يُمثّل ما يقرب من 73% من جميع حالات الإصابة، ويليه سرطان الثدي الإيجابي للبروتين المستقبِل لعامل نمو البشرة البشري، ثم سرطان الثدي الثلاثي السلبي. [10],[11],[12],[13]
أُحرز تقدّم كبير في علاج ورعاية مرضى سرطان الثدي الصحيّة على مدار السنوات، بما في ذلك قابليته للانتشار في الجسم، ولكن لا يزال هناك المزيد من العمل للقيام به. ذلك بصفة خاصة على المجتمعات المحرومة من الخدمات والصعب الوصول إليها، والتي غالباً ما تعاني من فترات انقطاع حرجة أثناء تلقي الرعاية الصحية. وفقاً لتقديرات الخبراء، يعيش ربع المصابين بسرطان الثدي المنتشر في مناطق ريفية[14]. في نفس الوقت، أظهرت الأبحاث أن الموقع الجغرافي يمكن أن يؤثر على إمكانية وصول المرضى إلى خدمات الفحص والعلاج ومجموعات الدعم.[15] بالنظر إلى الأثر غير المتكافئ للفقر في مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا، نرى أنه يسلّط الضوء على ضرورة الاستمرار في تقديم الرعاية الصحية للمجتمعات من أجل ضمان حصولها على الموارد اللازمة للتصدي لسرطان الثدي.
تُعد المبادرة فوراً جوهرية من أجل تقليل معدل الوفيات جرّاء سرطان الثدي.
يُمكن للمؤسسات الصحية أن تُبادر فوراً للتغلّب على سرطان الثدي من خلال تسهيل إمكانية الوصول للمعلومات المتعلقة بالمرض. ويعني ذلك توفير المعلومات باللغات التي يتحدث بها السكان مثل اللغة العربية والسواحلية مع الابتعاد عن استخدام المصطلحات صعبة الفهم واستخدام تلك التي يسهل فهمها بالنسبة للأفراد الأكثر تأثراً بسرطان الثدي. ويُساعد ذلك في ضمان معرفة الأفراد بكيفية التعامل مع نُظم الصحة والوصول إلى الموارد المتاحة لهم.
من الضروري أيضاً مواصلة تحسين عملية اتخاذ القرارات السريرية عن طريق تعزيز استخدام أدلة من العالم الفعلي والتجارب العشوائية المحكومة في علاج سرطان الثدي، بالإضافة إلى دعم صُنّاع التغيير في مجتمعات مرضى السرطان، وكبار السن، والأقليات من خلال إقامة مشروعات وسُبل تعاون ذات صلة لمواجهة معوقات تقديم الرعاية الصحية.
يُعدّ الاستثمار في إزالة العقبات التي تحول دون تقديم خيارات علاجية بتكلفة معقولة وفي الوقت المناسب أمراً جوهرياً. وبالمثل، من المهم أيضاً الاستثمار في توسيع نطاق الموارد والبرامج التي تُعالج الفوارق الحالية من حيث السن والعرق والموقع وكون المريض ذكراً أم أنثى.
على سبيل المثال، بفضل الفحص المبكر، وزيادة الوعي، والعلاجات المُحسّنة، انخفضت معدلات الوفيات بين النساء الأكبر سناً بين عامي 2013 و2018 بنسبة 1% سنوياً.[16]
في عام 2020، أطلقت شركة فايزر العالمية للمستحضرات الدوائية الحيوية حملة “بادر فوراً” التي تهدف إلى رفع درجة الوعي في المجتمع عن أنواع السرطان المختلفة، وسبل الوقاية، والتشخيص، والعلاج. وتعد إحدى أهم نقاط التركيز التي تضمنتها المبادرة نشر المعرفة بوسائل التشخيص الذاتي التي من شأنها إنقاذ الأرواح فعلياً.
تعد معرفة المؤشرات المُبكرة وإجراء الفحص بشكل مُنتظم وسائل مهمة لتقليل مخاطر الإصابة بسرطان الثدي ويؤدي الفحص الذاتي إلى اكتشاف سرطان الثدي مبكراً وبحجم ورم أصغر من مثيله في حالة اكتشاف المرض دون إجراء الفحص. ويمكن أن يؤدي الفحص المنتظم إلى تشخيص الورم مبكراً مما يحسن فرص النجاة في النهاية[17]. كما يُعدّ تغيير أسلوب الحياة أمراً شديدة الأهمية إذ يُقلل النشاط البدني من مستويات الإنسولين، ويُقلل الالتهابات، كما يُحسِّن المناعة الخلوية مما يحد من خطر الإصابة بسرطان الثدي. ويمكن أن يؤدي اختيار الأطعمة التي تحتوي على نسبة منخفضة من السعرات الحرارية، والامتناع عن التدخين والإفراط في تناول الكحول، والحفاظ على الوزن المثالي الملائم للمرحلة العمرية إلى تقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي[18]. ومن المهم ضمان توفر إمكانية وصول الناس إلى هذه المعلومات عبر وسائل متنوّعة تشمل وسائل الأعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى اختصاصيي الرعاية الصحية الذين من شأنهم مناقشة هذه الموضوعات بصدر رحب وإظهار التعاطف من أجل ترويج فكرة الكشف المُبكر للمرض بشكل بسيط وسهل الفهم.
يُمكننا وينبغي علينا نحن جميعاً، من مقدمي خدمات الرعاية الصحية والمرضى وعامّة الناس، العمل معاً للتأكد من تشجيع جميع الأطراف للمبادرة فوراً واتخاذ الإجراءات اللازمة للانتصار في المعركة ضد مرض السرطان. يُمكن أن يؤدي تطبيق إجراءات الفحص المنتظم والكشف المبكر إلى نتائج أفضل للعلاج ومعدلات نجاة أعلى. لذا على كل منا تعريف نفسه بالمؤشرات الشائعة لسرطان الثدي، وإظهار التعاطف، والإنصات بصدر رحب من أجل ترك أثر إيجابي على حياة مرضى سرطان الثدي وعائلاتهم.
[1] مهدي، إتش، ملا، حسين إل. رمزي زد إس، وآخرون. عبء السرطان بين الإناث في العالم العربي في عام 2020: العمل على تحسين النتائج. مجلة JCO Glob Oncol. 2022;8:e2100415
[2]سونغ إتش، فيرلاي جيه، سيجيل آر إل، وآخرون. إحصائيات السرطان العالمية 2020: تقرير “جلوبوكان” عن تقديرات الإصابة وحالات الوفاة على مستوى العالم بسبب 36 نوعاً من السرطان في 185 دولة. مجلة السرطان للأطباء “سي أيه”. مايو 2021;71(3):209-249. doi: 10.3322/caac.21660.
[3]منظمة الصحة العالمية. ورقة الحقائق عن سرطان الثدي. https://gco.iarc.fr/today/data/factsheets/cancers/20-Breast-fact-sheet.pdf. آخر زيارة للموقع في 18 أغسطس 2021.
[4]العمراني، وآخرون إدارة المرحلة المبكرة لسرطان الثدي لدى النساء الأكبر سناً: من الفحص وحتى العلاج. سرطان الثدي:2015؛ 7: 165–171.
مؤسسة أبحاث سرطان الثدي (BCRF): سرطان الثدي لدى كبار السن: كيف يقوم الباحثون في مؤسسة أبحاث سرطان الثدي بعلاج أعداد المرضى المتزايدة؟
[6]الجمعية الأمريكية للسرطان: الإحصائيات الرئيسية لسرطان الثدي لدى الرجال. https://www.cancer.org/cancer/breast-cancer-in-men/about/key-statistics.html. آخر زيارة للموقع في 18 أغسطس 2021.
[7]إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. سرطان الثدي لدى الذكور: تطوير الأدوية لتوجيه العلاج في هذا المجال. آخر زيارة للموقع في 18 أغسطس 2021.
[8]American Cancer Society. Treatment of invasive breast cancer, by stage. http://www.cancer.org/cancer/breastcancer/detailedguide/breast-cancer-treating-by-stagehttp://www.cancer.org/cancer/breastcancer/detailedguide/breast-cancer-treating-by-stage. Accessed August 18, 2021.
[9]O’Shaughnessy J. Extending Survival with Chemotherapy in Metastatic Breast Cancer. The Oncologist. 2005;10:20-29
[10]Yersal O and Barutca S. “Biological subtypes of breast cancer: prognostic and therapeutic implications.” World J Clin Oncol. 5.3 2014; 412–424. PMC.
[11]Esserman LJ and Joe BN. Clinical features, diagnosis, and staging of newly diagnosed breast cancer. Up-to-Date. (Burstein H, Vora SR, eds). 2017.
[12]Boyle P. et al. Triple-negative breast cancer: epidemiological considerations and recommendations. Annals of Oncology. 2012;6,1:vi7–vi12.
[13]Kohler et al. Annual report to the nation on the status of cancer, 1975-2011, featuring incidence of breast cancer subtypes by race/ethnicity, poverty, and state. JNCI J National Cancer Inst. 2015: 107(6):1-25.
[13]الجمعية الأمريكية للسرطان. علاج سرطان الثدي الاجتياحي، على أساس مرحلي. http://www.cancer.org/cancer/breastcancer/detailedguide/breast-cancer-treating-by-stagehttp://www.cancer.org/cancer/breastcancer/detailedguide/breast-cancer-treating-by-stage. آخر زيارة للموقع في 18 أغسطس 2021.
[13]أوشاوغنيسي جيه. زيادة معدل البقاء على قيد الحياة بالعلاج الكيميائي في سرطان الثدي المنتشر. مجلة The Oncologist. 2005;10:20-29
[13]يرسال أو وباروتكا إس. “الأنواع الفرعية الحيوية لسرطان الثدي: الآثار التنبُئية والعلاجية”. [13]المجلة العالمية لطب الأورام السريري. 5.3 2014; 412–424. ببمد سنترال.
[13]إسرمان إل جيه وجو بي إن. الخصائص السريرية، والتشخيص، والمراحل الخاصة بسرطان الثدي الذي جرى تشخيصه حديثاً. حتى وقتنا هذا. (بروستين إتش، فورا إس آر، وآخرون). 2017.
[13]بويل بي.، وآخرون سرطان الثدي الثلاثي السلبي: الاعتبارات الوبائية والتوصيات. حوليات طب الأورام. 2012;6,1:vi7–vi12.
[13]كوهلر، وآخرون التقرير السنوي الوطني عن وضع مرض السرطان، 1975-2011، الذي يشمل حالات الإصابة بالأنواع الفرعية من سرطان الثدي مصنفة حسب الجنس/العرق ومستوى الفقر والولاية. مجلة المعهد الوطني للسرطان 2015: 107(6):1-25.
[14]فايزر. بيانات غير منشورة. إبسوس. تحليل حجم عينة المرضى. سرطان الثدي المنتشر. سبتمبر 2020.
[15]شبكة السرطان. التحديات التي تواجهها الرعاية الصحية لمرضى السرطان في المناطق الريفية في الولايات المتحدة. 15 سبتمبر 2015.
[16]الجمعية الأمريكية للسرطان. ما مدى انتشار سرطان الثدي؟ https://www.cancer.org/cancer/breast-cancer/about/how-common-is-breast-cancer.html. آخر زيارة للموقع في 18 أغسطس، 2021.
[17] ويلكنسون إل، غاثاني تي، فهم سرطان الثدي كأحد المخاوف العالمية المؤثرة على الصحة. المجلة البريطانية للأشعة. 2022؛ 95(1130):20211033.
[18] كوستا إم، سالدانها بي، إستراتيجيات الحد من المخاطر للوقاية من سرطان الثدي. المجلة الأوروبية لصحة الثدي. 2017؛ 13(3):103-12.
More Stories
2025 عام السلام والثقة… مبادرة تركمانستان نحو مستقبل عالمي مستدام
تحويل مشهد التصميم في المملكة العربية السعودية: رؤية للحداثة متجذرة في التراث
دراسة جدوى تكشف تأثير مجموعة Vingroup على التحول الصناعي في فيتنام