21 يناير، 2025

أخبار من الامارات

خلال ندوة ثقافية في “الشارقة الدولي للكتاب 41” د.عاطف منصور: الشارقة شهدت مؤخراً اكتشاف مسكوكات تشير لأحداث لم يؤرخ لها  

الشارقة، 08 نوفمبر 2022 : أكد أستاذ الآثار والمسكوكات الإسلامية، عميد كلية الآثار بجامعة الفيوم المصرية الدكتور عاطف منصور، أن الآثار في تعريفها البسيط هي رسالة من الماضي البعيد إلى الزمن الحاضر، مشيراً إلى منها الثابت ومنها المنقول؛ وبالنسبة لنا الآن هي آثار، لكن لمن صنع الحضارة كانت منتجاً يومياً يقوم صانع هذا الأثر بعمله، فهو المنتج الذي كان يعيش ويتعامل به ويستخدمه، ومع مرور الزمن صار بالنسبة لنا من الأشياء القديمة التي يجب أن ننظر لها بعين الاعتبار.

وقال خلال جلسة “توثيق المسكوكات لتاريخ إمارة الشارقة في العصر الإسلامي”، التي أقيمت ضمن فعاليات “معرض الشارقة الدولي للكتاب 41 “: “لا يجب أن ينظر الباحثون إلى الآثار الثابتة فقط، لكن يجب النظر بعين الاعتبار للآثار المنقولة، لأن هناك بعض المناطق التي لا تتوفر فيها الآثار الثابتة نظراً لعواملها الجغرافية”، موضحاً أن الآثار المنقولة تتمثل في الخزف والمسكوكات، وبالتالي علينا البحث عن مصادر غير تقليدية لتاريخ الدول، لذلك كان العلماء يقفون حائرين لمحاولة استقراء تاريخ الدول من خلالها.

وأضاف منصور: “من أهم الآثار المنقولة هي المسكوكات، وحينما اختُرعت كانت أداة اقتصادية بحتة بهدف أن تكون وسيطاً للمبادلة، وتسهل العمليات التجارية بين الناس وتحل إشكاليات كبيرة جداً بسبب نظام المقايضة الذي كان موجوداً آنذاك”، لافتاً إلى أن النقود هي ما تعارف عليها الناس وقبلوها، وتحولت من مجرد أداة اقتصادية إلى وثيقة تعبّر عن تاريخ الدول، لأن الدول بدأت تضع رموزها وحكامها على المسكوكات.

وتابع: “يعود تاريخ المسكوكات المكتشفة إلى الألف الثالث قبل الميلاد في بلاد الرافدين وتطورت في مختلف دول العالم، وأخيراً تم اكتشاف كنز من 409 قطعة في الشارقة”، مؤكداً أن المسكوكات تطورت حتى وصلت إلى شرق العالم الإسلامي والهند، لكن الحد الفاصل في تاريخ المسكوكات هو أنها تعتبر وثيقة من وثائق الدول.

وأوضح منصور أن المسكوكات هي شيء لا وطن له، لكنه يؤرخ لتاريخ البلد الذي طبع فيه والبلد الذي يتداول فيه، فالمسكوكات الإسلامية تميزت بأمور لم تكن متوفرة في المسكوكات الأخرى، لأنها كانت تحمل تاريخ سكّها مع اسم الحاكم والعلامات والشعارات وما غير ذلك، وبالتالي فهي وثيقة هامة.

واستعرض عملة سلجوقية تضم 155 كلمة رغم أن قطرها 2.5 سم، قائلاً: “لابد أن ننظر بعين الاعتبار لهذه الوثيقة بالغة الأهمية، فحينما نطرح تاريخ المسكوكات وأهميتها في تاريخ الدول، فهي لا تؤرخ فقط للدولة التي قامت بسكّها لكن تؤرخ أيضاً للدولة التي تم العثور عليها فيها أو تداولها فيها”.

وأشار إلى أنه من الممكن دراسة تاريخ مكان ما من خلال مسكوكات ظهرت في مكان آخر، وشرح أن الموقع الجغرافي لإمارة الشارقة ارتبط بحركة التجارة وحركة الجيوش، فحينما كان أي جيش إسلامي يتوجه لفتح سيجستان أو موكران أو طبرستان، كان يمر على هذه المنطقة، وكذلك الحركة التجارية.

وقال الدكتور عاطف منصور: “الموقع الجغرافي لأي منطقة مواجهة للبحر ولها ظهير صحراوي من الصعب أن تجد به بنايات تستمر بسبب عوامل التعرية والتغيرات المناخية، فبالتالي الجزء المؤثر الذي يؤرخ لهذه المنطقة هو ما يوجد من آثار، فالمسكوكات تؤرخ وتعرفنا العديد من الجوانب”.

وأضاف: “إن الاكتشافات الأخيرة في الشارقة كشفت عن العديد من المسكوكات التي أشارت إلى العديد من الأحداث التاريخية التي لم يؤرخ لها، وبالتالي نبدأ استخراج المعلومات منها التي نستطيع من خلالها رسم حضارة المنطقة”.

واستعرض أستاذ الآثار عدداً من المسكوكات المكتشفة في الشارقة منها فلس صُحار الذي يوجد منه نسختان فقط في العالم إحداهما في جامعة بألمانيا والأخرى بإمارة الشارقة، ويعود لعصر الأمير روح بن حاتم المُهلبي من الخلافة العباسية، ودرهم العباسية الذي يعود إلى عمر بن فحص المُهلبي.

ولفت إلى أن المسكوكات الإسلامية هي الأعلى أسعاراً لما دُون عليها من أسماء للحكام والمناطق التي تم سكّها فيها، فهي تعبر بشكل جيد عن التأريخ للحدث والمكان والطريق التجاري، مشيراً إلى أن نحو 5 آلاف مدينة سُجلت على المسكوكات الإسلامية جمعها السفير النمساوي إدوارد زامباور في كتاب أصدره في ستينيات القرن الماضي.

وقال منصور: “لابد من النظر إلى المسكوكات باعتبارها جزءًا هاماً لدراسة تاريخ الدول، فليس معنى أننا فقدنا البناية أننا فقدنا تاريخ هذه المنطقة”، مشيراً إلى أننا نفقد العديد من تراثنا وتاريخنا بسبب عدم الفهم لأهمية هذه المسكوكات.